Tuesday, June 12, 2012

7


هذا فيلم تُحفة! وحِيز له من كُل شيء: قصة فيلم هندي مختلطة بمأساة إغريقية مع هياط إنكليزي. رولاند إيمرطش مخرج لا يحب كلام المسكفين وعكدهم الكثيرة وكلاكيعهم، لكنه قرر أن يدخل جنتهم فجأة بفيلم عن إليصاباط وشكسبير. شكسبير هذا مشكلة لكل المشتغلين بالسينما في الغرب. وقد قال دستن هوفمان مرة إنّه يخاف أن يموت ولم يمثل عملاً شكسبيرياً فيُحرم من دخول جنة الممثلين. وها هو رولانط إيمرطش يقدم دفتر أعماله إلى جنة المخرجين بمزيج من الهرطقة والهياط والأفورة تاريخي.

فكرة الفيلم إن شكسبير مش شكسبير. لا، ليس الشيخ زبير! نأسف على تخييب آمالكم. شكسبير في الحقيقة هو تهامي باشا. وهذا كلام سليم. مرسحيات شكسبير كانت أصل فكرة الجمهور عاوز كده. أفورة؟ مفيش أكثر من أفورة "أخبث صنيعة أبدعتها الطبيعة" و"اتنفخي أيتها الشمعة المسلوعة اتنفخي" و"روح.. قول لكل الناس قصتي وعرفهم بلوتي". المشكلة إن إيمرطش يريد منّا أن نصدق أن كاتب مسرحيات شكسبير وقصائده الحقيقي هو ابن ذوات علشان الفوكاراء ما يعرفوش يكتبوا حاكات كميلة. (إيمرطش من عيال أيّن راند على ما يبدو).

لكن الفيلم تحفة. إشي أفورة تمثيل. إشي لعبة عسكر وحرامية بين المرسح والهيئة. ومن كل اللي قلبك يحبه. الفن كله سياسة. علشان كده شكسبير بيطلع فيه عُكده من عيلته وبيشرّد لهم في مرسحياته. والمشهد الهياطي ما بين الاتنين المسكفين واللي يقول له إنت مسكف أكتر مني. لا، أنا عاوزك تحترمني. لا أنا بحترمك. لا أنا حقيقي بحترمك. حاجة خرافية. رولاند إيمرطش فاهم المسكفين كويس جداً.

وطبعاً، لازم إليصاباط، حيزبون السينما الأنكلو-أمريكية. إليصاباط بكابورت لوحدها مستقل عن كل البكابورتات الأخرى. والفيلم يفتح فتحاً تاريخياً في السينما الإليصاباطية إذ يوضح بالدليل القاطع أنها كانت مُصابة بعكدة يوكاستا. إيمرطش خرافي! 

6


يُخيّل لنا أن هذا الفيلم نتاج التأثير السيء لستانلي كوبريك مُضافا إليه قراءة مهلوسة في التوراة، إنها القصة القديمة تُعاد مرة بعد مرة: أرض الميعاد، هذا، يا أخواني، فيلم عبراني مئة بالمئة، فيلم توراتي ينضح بالايمان والتهوّد، يدور حول اثنين من علماء الآركيولوجيا المؤمنين، خُلفاء أجدادهم المتصهينيين من القرن التاسع عشر، الذين أتوا فوق سفن الاحتلال، والحملات التبشيرية إلى فلسطين لاستكشاف أصل "الحضارة الغربية/المسيحية"، اسرائيل التاريخية، هذا الفيلم يسير على نفس الخطى، اثنان من علماء الآركيولوجيا يعتقدان بالأصل الفضائي للإنسان، و لكل الحضارات، حيث يمكن ليّ الأدلة الآركيولوجية وعجنها وخبزها لتدلّ على تلك النتيجة، مفيش فايدة، مفيش فايدة من احساس الإنسان المتعاظم بمركزيته، البطل والبطلة يخوضان رحلة مميتة مدفوعين بايمان راسخ بمركزية الإنسان في الكون، لكن نقول ايه، ياه ع البني آدم، يااه، وغُلُبنا معاهم، والمخرج غُلُب يفهّمهم، لا تقرؤون التوراة؟ طيب نحط لكم روبوت اسمه ديفيد يفهمكم أن الإنسان مش مركز الكون، مفيش فايدة برضه.

Saturday, June 9, 2012

5




احترنا كثيراً في نوايا فرانصص فُرض قبولاَ من هذا الفيلم، ولماذا يصنع فيلماً كله قليشيه ف قليشيه، ما الجديد يا أخي فرانصص؟ ما احنا عارفين كل حاجة، الجماعة تهبّ لنصرة رعاياها في كل مكان وزمان، ممثلة في شخص بطرياركها المؤمن كرليوني، الذي لا يتاجر في المخدرات والعياذ بالله، إنما يتاجر فقط في اللحم الأبيض - وآهو كله بروطين، والشعب عايز يتغذى، وعايز دين، وهما بتوع الدين- واحنا عارفين أن الجماعة لها حبائلها - بلاش هذه الكلمة- لها قنواتها المالية المتفرعة في كل أنحاء العالم، واحنا عارفين أن الجماعة كيان ثوري مُنظم، هو الوحيد القادر على أن يقف في وجه الحكومة والدولة والعسكر، عشان منظمين يعني، فنحن لا نذهب للداخلية، ولا القضاء الفاسد، ولا العسكر، نحن نذهب مباشرة لدون كهربوني، يعطينا الزيت والسكر واللحمة والتموين، ونعطيه أصواتنا في البكابورت، ما هو كله رايح في البكابورت. وقد احترنا في نوايا المُخرج، صدقاً، صدقاً، ولم نخرج بتفسير، إلا نيّته في اظهار "الاعجاز العلمي لدى الجماعة"، أبصليوطلي.

4


أول ما نبدأ بالكلام، نبدأ بالبسملة، ونتني بالصلاة ع النبي، الهمام الأبي، أحمد العربي. أما بعد، فالفيلم ده يا اهل الله كله عُكارة وبَعوَلَة وهبالة لمان يوم الهبالة. يا سعم، فِلّم كميدي. ولا به أية كميديا! لا من باب ولا من طريق. الكوميديا منّه براء! إيش ده؟ إيش ده؟ والعيش والملح لولا إنّه فيبه كرسيتنا ولا يسوى. كرستينا دي تحفة، اطرحونّه بأي فيلم وتخليهو حلو. ولو إنو لِه طلعات هبلة ساعات. المهم، ما كنا بنقُل؟ الفِلّم كميديا بس كميديا من حق بَرّيطّانيا العظمى. كميديا حق تحمّل لك صميل عًسِب تضحك. الكميديا حق آدم سيف من النُخَر أمانة لو ابسرت هذه الكميديا العجمي.

المخرج اسمه لاسي هالستروم، وهو مخرج يجيب اللاصي. والسنارست اسمه سيمون بوفوي (يعني عامل البوفيّه العجمي). والفِلّم من كتاب بنفس الاسم، كتبه واحد اسمه بول توردي. اسمه شمات الشامتين! سيمون بوفوي أغلق بكابورت المآسي مع فيلم داني بويل الشهير، لكنّه لم يغلق بكابورت الاستعمار، وها هو يطير إلى مستعمرة بريطانية سابقة. في الواقع، يمكن القول بأن السينما البريطانية هذه المرة قد عبرت الخط الحدودي فمستعمراتها كانت في الجنوب اليمني، بينما يبدو من الفيلم أن القصة تدور في الشمال.

عاد بِه عقل؟ بيقلّوا اسم الشيخ محمد زيدي تهامه. أيحين به شيوخ في تهامه؟ قحوزي، قحوزي يا بَرّيطّانيا العظمى! بريطانيا، ديدِس يا ماما. اسمعي بالعقل. أوبهي لا يسمعوش حُمران العيون ذاحينا! محمد زيدي تهامه؟ من اين ندعتوا لنا هذا الاسم؟ اسم خُرَندعي الصِدق. وبعدين إيش المؤامرة الاستعمارية دي؟ ذلحينا بريطانيا مال أُمِه جالسة تتآمر على المجتمع المدني حقنا وتقول لك شيوخ ومدري إيش؟ إيش الكلام الفاضي ده يا ماما؟ روحي العبي جنب بيتكم.

الفيلم ده عبارة عن مخضرية، وفيبه كل حاجة كل حاجة تشتيها عن اليمن. جبال؟ موجود. جنابي؟ موجود. شيوخ؟ موجود. قاعدة؟ موجود. حتى سووا لهم غنية أحمد فتحي وجابوا لهم صنعانية مرّت من الشارع غبش كان الزمن ظمآن والفجر اشتكى نار العطش. والأجانب يعجبهم الحاجات دي. دلدلوا لقوفهم. وعاد فيبه سد زي سد مأرب! ما كانش ناقص في زيارة الهاشمي دي إلا ملكة سبأ وبايقع كل الكوكتيل اليمني، كوكتيل من حق أم الجن.

هذا الفيلم حالة نادرة في تاريخ العلاقات الخارجية البريطانية، إذ أنّه يوضح سياسة بريطانيا في اليمن بوضوح. السياسة التي تعتمد على استخدام الشيوخ المحليين الأثرياء والنافذين مخالب قط لها في المنطقة، والعمل معهم مباشرة، مع تهميش أي حكومة مدنية لليمن. وكما في فيلم الذهب الأسود، فإن بريطانيا تستخدم الشيوخ - يا سَعّم! - المتنورين لصد الهجمات المتخلفة للعرب الهمج، من باب الحرامي يقش الحرامي، ولا يغل العربي إلا العربي، ومالها إلا علي! (إيش جاب ده الكلام؟). وإن كان هناك تغيير في نوعهم، فبعد أن كان لدينا عمر الشريف أبو عيون بسس، صار لدينا عمرو واكد أبو نُخرّة. والحقيقة، فإن هذا تحسن. لأن اليمنيين أقرب إلى عمرو واكد منهم إلى عمر الشريف. (كله بالعين يا شفيقة. بَطّلي تتخاوصي). ليكن عمرو واكد مشهو مشحوط. والمرة الوحيد اللي اتحاكا فيها عربي، ما استرش. كان كأنهّ سيُكمل: زس إز أور ستايل ون أو سفن. يله يا جدعان. نفتتح السد. بس لا عاد نكثرش الشماتة في عمرو واكد. آخرتِه تمويل بريطاني وا عمرو؟ الفيلم ده الفايدة منه مسح نُخَر الجيش البريطاني في اليمن. يع!

للفيلم فوائد عديدة أخرى، فبريطانيا تعتقد أن اليمنيين إرهابيون ما عدا الشيوخ الذين امتصوا دم الشعب وأكلوا لحمه، وذهبوا ليقبلوا ركبتيها، ويُلبسوا المرافقين اليمنيين ملابس إسكتلندية كأنهم مهرجون لتسلية بطريشيا مقصويل. وطبعاً، لازم الفيلم الهندي لما البريطاني ينقذ اليمني وبعدين اليمني يرد له الجميل والناس تقع مبسوطة ورغم إن السد خرب، الناس لازم تكون فرحانة علشان السمك نجا. باختصار، الفيلم عبارة عن: الشعب مات، بس السمك نجا. فاتكم القطار.


قلوصري:
١. بَعوَلَة: تهريج وهذيان وكلام فارغ.
٢. يا سعّم!: تعبير استنكاري، يُقصد به: "في زعمهم".
٣. اطرحونّه: ضعوها.
٤. بنُقل: نقول. (بصوت الكاف الفارسية).
٥. تحمّل: احمل.
٦. صميل: هراوة، من مصطلحات الحياة اليومية في اليمن.
٧. عَسِّب: حتى، من أجل، أداة وصل سببية.
٨. النُخَر: الأنف. (من النخر: صيغة شعبية من التعبير الراقي: قرنفلة على النُخرة) 
٩. العجمي: كل ما ليس عربياً.
١٠. لاصي: حموضة المعدة.
١١. شمات الشامتين: شيء مصخرة.
١٢. عاد بِه عقل؟: أبقي عقل؟
١٣. قحوزي: اقعدي القرفصاء. (بالكاف الفارسية).
١٤. ديدِس: اجلسي.
١٥. أوبهي: انتبهي.
١٦. حُمران العيون: الغيلان. ومن ذلك: حبايبنا الحلوين، الأشاكيف، الطرف الثالث، ....
١٧. ندعتوا: أتيتم.
١٨. خرندعي: أي كلام.
١٩. مال أمه!: ما لأمها؟ تعبير استنكاري. (أوفنسِف في بعض اللهجات)
٢٠. مخضرية: فول وفضلات دجاج. يُقال إن الدجاج قد أطلق فضلاته في قدرة فول لبائع متجول، فخلطها بالفول، ونادى على المزيج الناتج: مخضرية! مخضرية! تعالوا كلوا مخضرية!
٢١. جنابي: جمع جنبية. خنجر معقوف. سلاح تقليدي في اليمن. يستخدم لأغراض مثل الزينة والقتل.
٢٢. دلدلوا لقوفهم: فغروا أفواههم.
٢٣. زيارة الهاشمي: نشاط شعبي شهير قبل المد الوهابي. الهاشمي ولي من الأولياء المشهورين.
٢٤. أم الجن: شخصية مشهورة، ويُعتقد أنها أم بلقيس بنت الهدهاد وسيف بن ذي يزن وكل أبو يمن.
٢٥. بسس: جمع بسة، وهي القطة.
٢٦. بطلي تتخاوصي: كُفي عن استراق النظر من وراء حجاب.
٢٧. مشهو مشحوط: هو ليس مشدوداً.
٢٨. اتحاكا: تكلّم، تحدّث.
٢٩. ما استّرش: لم يستطع، لم يقدر.

Friday, June 8, 2012

3


يقولون اللي خلف ما ماتش، وصاحبنا طيفط لين ما ماتش أكيد، وإنما رجع للحياة في تجسده الجديد، داني بويل. مؤسس موجة البكابورت الهندي الجديد. المؤسسة البريطانية بكامل قبحها تتجلى في هذا الفيلم، مع الاستخذاء الهندي. ثمة شخصيات هندية رفضت الفيلم مثل أميتا باتشان (الذي يذكرونه في أحداث الفيلم، وكان مقدم النسخة الهندية من برنامج "من سيربح المليون؟" في الحقيقة. أميتا باتشان حاجة كبيرة في الهند، ولا تقول مانموهان سنغ ولا سونيا غاندي. أميتا باتشان عنده تأثير يقشهم كلهم) وسلمان رشدي الذي هاجمه بشدة. (سلمان رشدي شخصياً بكابورت لوحده، لكنّه كان محقاً بشأن هذا الفيلم). الفيلم مأخوذ من رواية لفيكاس سوارب (فكّاس بالورب) عنوانها أسئلة وأجوبة. رواية سوارب الأصلية عك ف عك. البطل مسيحي/مسلم/هندوسي متعدد الأديان والأسماء، وحبيبته مومس تعرف عليها في ماخور في  أواخر سن المراهقة، وأخوه في الفيلم كان مجرد صديق في الرواية. (من الواضح أن فيكاس سوارب كان متأثراً بالرواية الخالدة أن تكون عباس العبد). مما يُظهِر عبقرية السنارِست سيمون بوفوي الذي صنع من هذا الهذي كلام ممكن الواحد يبلعه بتعطيل كل حواسه المنطقية.

نأتي للقبيح: داني بويل كان بينش دبّان في الهند، ومن تولّت إدارة كافة عمليات التصوير كانت لفلين تاندان. هناك ثلاثة أطفال في الفيلم يلعبون أدوار الشخصيات الرئيسية الثلاث: جمال، سليم، ولاتِكا. الولد الذي يلعب دور جمال كان ابن ذوات وأخذ حقه في الفيلم تالت ومتلِت. الطفلان الآخران من أطفال العشوائيات، ولم يحصلا على أجر. بل خدعهما بويل بالقول إنهما سيحصلان على أجرهما لو تخرجا من الثانوية. طبعاً، ترك الطفلان الدراسة، وامتلك بويل - ومن معه في إدارة الإنتاج - الصلافة الأخلاقية والسفالة اللازمتين للقول إن هذا كان الخيار الأفضل للطفلين لأن إعطاءهما المال وهما طفلا عشوائيات سيُدمر حياتيهما، وإن ربط الحصول على الأجر بالانتهاء من الدراسة كان لتحفيزهما على عمل شيء بحياتيهما. صحافي بريطاني تنكر على أنّه مبعوث شيخ عربي من دبي ليتبنى الطفلة، وحاول شراءها من أهلها.

عدا عن ذلك، الفيلم يستحق التصفيق. بريطانيا جربت اضطهاد الهند، وبعدين جربت تبعت لهم قديسات، وبعدين قالت ما تيجوا نلعب هنود وحرامية. كله باشُن بلاي علشان عواجيز الإمبراطورية. تلاقي الواحد منهم: "شوفتوا! شوفتوا! لما كُنا بنجلد أبوهم ف الهند مكانش في أطفال عشوائيات!" كان للفيلم عواقب وخيمة: أنيل كابور صدق نفسه، وقد كُنا بالكاد مستحملينه في الأفلام الهندية علشان قريب شيشي كابور. كما أن مخلوقاً اسمه ديف باتِل قد انطلق على العالم. أ. ر. رحمن اشتهر بموسيقى "جاي هو" و"لاتِكا"، والأولى أغنية قد رفضها مخرج هندي من قبل، فقلبها رحمن وأرسلها لداني بويل. وعرفت المطاعم الهندية فترة ازدهار كبيرة في الغرب، عُرفت باسم فقاعة الأكل الهندي.

2



هذا عمل متكامل، مُذهل في كماله، برافو برطون، برافو،  نجد فيه، يا اخواني، كل ما يلذ ويطيب لليميني الأصلي: بكابورت بطرياركية، بكابورت ميزوجينية، بكابورت لوم الضحية، ولكن كله في سبيل المصخرة، والشعب عايز يضحك ويكركر يا وديع، هذا المُنتج، متابعنا العزيز، هو دليلك للفيلم الهابط مُدرّ الايرادات، إنه فيلم يرضى عنه الرأسمالي المحتكر، الذي تدغدغه في قلبه نوازع ونوستالجيات اقطاعية مريرة: نسوان شريرة، نسوان طاهرة تصلح للزواج فقط، مناظر، لحم أبيض شهي، آكشن، عامة غوغائيون، الخ.

برناباس كولنز اقطاعي طيب، ومثل أي اقطاعي فهو يباشر حقوقه الطبيعية في استغلال خادماته، ولكن ثمة خادمة فرنساوية مخبولة وهبلة لا ندري من زرع في رأسها هذه الأفكار - فهذه الأحداث حتما قبل سيمون دو بوفوار- ورغم أن بريطانيا المؤمنة قد صارت بروتستانتية ومسحت من رؤوس بناتها كل الخرافات عن القديسات المصارعات للطواغيت،  في الكاثوليكية، فنحن لا نعرف من أين أتت هذه الأفكار النسوية الهدامة لرأس الخادمة آنجيليك بوشار، حتى بدأت في ممارسة السحر، وألقت تعويذة شريرة على الاقطاعي الطيب، السيد كولنز، لأنه، قال ايه، غرغر بها؟ 

إنه الشيطان اذن، مفستوفيليس وسوس لهذه البنت الهبلة أن تأخذ حقها بالسحر! بالسحر؟ بالسحر! إن الاقطاعيين ليسوا مصاصي دماء كما يروج الفاجر الزنديق كارل ماركس، بل أن هذا من حبائل وعمائل الساحرات الخبيثات أمثال آنجيليك،  التي حولته لمصاص دماء شره كي يعيش الأبدية تعيساً! آه يا ويلاه!

وحين يعود بعد قرنين من الزمان، لينقذ ممتلكاته واقطاعيته الحبيبة من أن تستولي عليها نساء غريرات مهملات مثل إليصابات الهبلة، أو نساء فاسدات مثل آنجيليك المشعوذة، فإنه يعود مصاص دماء، لكن هيهات! هيهات! ويقولون لك الرأسمالية شر، والرأسمالية تمص دم الفقراء، ولكن مص الدم هذا كله من عمايل الساحرة، التي أرادت أن تعمل راسها برؤوس أسيادها ذات مرة، زمان!
لكن، الأهم، أن السيد الطيب كولنز يحرس جيداً عفة حبوبة قلبه فيكتوريا - ويجب بالطبع أن يكون اسم الحبوبة فيكتوريا، مثلما يقرّ ميزوجيني شهير وشاعر اسمه إليوت، أن فيكتوريا أشرف مئة مرة من إليصابات اللي دايرة على حل شعرها- فيكتوريا، خفراء طاهرة عفيفة تحرس فضيلتها، مش زي بعضهن! مسم! وكما يقول توفيق -مش أحمد خالد توفيق، نقصد الدقن بالطبع: أحلى من الشرف مفيش!


1


أحد أشهر "الوِت دريمز" الغربية وأكثرها تكراراً في الأدب والفن عبر التاريخ موتيفة (القديسة). وفي فيلم ديفد لين، واحد من أشهر مخرجي البكابورت في التاريخ، يوجد قديستان، عجوز وشابة. الفيلم مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب البريطاني إ. م. فورستر - قريب عائلة فورستر التي يعتقد رجالها أن بروك الشقراء الوحيدة في أمريكا الشمالية - الذي كانت له تنظيرات لا بأس بها في الرواية، كما أنّه كان من مُعارضي الحركة النسوية ومن أكبر مُعارضي فرجينيا وولف - لأنها ليست بروك، بالطبع. (كان يرد عليها في الصحافة باسم مستعار هو "الصقر النبيل" مما يدل على كونه الأب الروحي لكل أدباء المنتديات في التاريخ). كان لدى فورستر مشكلة مع البرجوازية البريطانية التي شَرّد لها في رواية مكان تخشاه الملائكة، وفي الرواية التي أُخِذ عنها هذا الفيلم.

ثم جاء ديفد لين، مخرج الملاحم، وقطّع هذا الفيلم عن مشاكل المستعمرين البريطانيين في الهند، وكيف أنّ البلد يُسبب لهم الإستبحس لشهوانيته الشديدة، حيث الإنكليز مهذبون ومحترمون وما بيعملوش حاجات بسيئة ولا عندهم تماثيل أنثوية عندها ما عند الهاربي.الفيلم مليء بالرموز ولا كأنه هذيان كاثوليكي! سو متش لبروتستانتية بريطانيا. إشي عاصفة، وإشي تجربة، وحتى غارغويلات صناعة هندية. والآنسة البريطانية يا حسرة، وجدت نفسها في التجربة، ولا أجدعها قديسة، صرخت: "فادي رترو ساتانا! فادي رترو ساتانا! فادي وترتر وساتينا!"

 وآخر المتمة، تنتصر الأخلاقيات البريطانية الفذة، وتتنازل القديسة الشابة عن القضية، ويصيح الجميع: "مسز مور! مسز مور!" كل الهنود عاوزين مسز مور، القديسة العجوز، حيث لا يُمكِن ائتمانهم على القديسات الشابات. والقديسة الغربية تداوي كل شرور الاستعمار وتعطف على أطفال الطبيعة الهنود. والقديستان يروحوا من بلد الشيطان الهند، والقرود تعرف طريق ربنا وتصرخ "مسز مور! مسز مور! مدد يا أم العواجز!"

 نعرف من هذا الفيلم أن العلاقة بين السينما وصناعة اللحوم قديمة، لكثرة الملاحم السينمائية التي تقطع في لحم الشعوب. ونعرف أيضاً أن آل السُبكي ليسوا دُخلاء على السينما. السينما، المصدر الأقدم للبروطين الحيواني.